تخطى إلى المحتوى

عـوامل تطـور مفهـوم التجريد -د/ محمد سلامة 2024.

لابد من وجود دوافع تدفع إرادة التطور والتغيير فى أى مرحلة تاريخية فهناك عوامل قد أدت إلى ظهور التجريدية فى الفن الحديث ومنها :

– انفعــال الفنـان فى الفن الحديث مع تجارب الحياة الحديثة وتعقيداتها المتزايدة ، كان من الضرورى أن ينتج أعمالاً فنية يعكس أوجه الارتباك والتوتر عند الإنسان الحديث ، ومن ثم وجد الفنان نفسه متجهاً لابتكار لغة فنية جديدة ألا وهى لغة التجريد .

– الخصوصية الفكرية للفنان وانعكاسها على رؤيته الفنية من خلال تحليله لأشكال الطبيعة وصياغتها فى بنائيات تشكيلية ذو صيغة جمالية محسوسة وكامنة خلف مظاهر الطبيعة المرئية ومرتبطة بذاتية المصمم ، فسعى الفنان والمصمم للارتقاء بالكثير من القيم التشكيلية المجردة عن طريق إيجاد طرق جديدة مبتكرة للتشكيل والتوصل من خلالها إلى حقائق جمالية خالصة .

– محاولة الفنان التخلص من القوالب التقليدية القديمة للتوصل إلى حلول جديدة
وصياغات مستحدثة تفتح الباب أمام الطاقات الإبداعية الكامنة فى نفس الفنان .

– استحداث أفكار وتقنيات وخامات جديدة مما أتيح للمصمم خامات ووسائل جديدة للتعبير عن طريق عمليات تجريبية وتشكيلية يؤديها لبناء تصميمه الفنى .

– ظهور نظريات حديثة فى كافة العلوم الإنسانية والاجتماعية ، وأيضاً ظهور آراء علمية وجمالية كان لها الأثر فى تكوين مفاهيم جديدة عن الفن والجمال التى كان لها دور بارز فى توجيه الكثير من الحركات الفنية المعاصرة .

– محاولة تفسير الفن على أسس عقلانية لإدراك القيم الجمالية فى الأشكال الطبيعية، والارتقاء إلى ما هو أبعد من معالم المظاهر المرئية إلى عالم من التغيير والتحرر من الانطباعات البصرية .

فلسفة للتجــريـد

في كتابه «نقد الفن التجريدي» يعرض الفنان التشكيلي السوري الدكتور عز الدين شموط ـ المقيم في فرنسا ـ منذ عام 1975 ابرز الاتجاهات التجريدية في الفن ويطرح تناقضات افكار منظري هذه الاتجاهات الذين يعدون بالوصول الى المطلق واكتشاف ما وراء الواقع بوساطة التجريد ولقد ادت هذه التناقضات ـ الى الفوضى والممارسة المجنونة للفن والنقد الفني واصبح التجريد تسوده فوضى المدارس والنزاعات الفنية التي لا تعترف بأي قيمة او مرجع او معيار.

وهكذا يرفض التجريد الواقع او المحاكاة ولا يعتبرها فنا كما يشكك بعلاقة الفن بالمعرفة وقد خرج التجريديون على كل معايير اللوحة القديمة وبنائها وموضوعها وتكوينها والمهم لديهم الا يكون هناك معنى ولذلك فإن التجريديين اعلنوا ان الغاية هي الوصول الى (الفن الخالص) كما يقول (موندريان) لقد انتهيت شيئا فشيئا الى ان التكعيبية لم تقبل النتائج المنطقية لمكتشفاتها الخالصة فهي لم تتوسع في التجريد لتصل الى هدفه النهائي اي التعبير عن واقع مطلق وقد شعرت ان واقعا كهذا لا يمكن ان يقوم الا على التشكيل الصرف لقد فهم التجريديون ان جميع المدارس الفنية مثل التأثيرية والتعبيرية والتكعيبية والسريالية والرمزية وصولاً الى مدرسة الخداع البصري كلها تجري الى مستقر وحيد الا وهو التجريد .

اذ يقول (ارنهايم).. ان التجريد مشروع يرفض كل تشخيص او تمثيل لأن الواقع عامل مخرب للفن الصافي لذا يجب تعطيل كل اثارة للعالم الخارجي فتكتفي اللوحة بذاتها والمهم هو تحويل الشيء الى هيكل عام خال من اي صفة ملموسة مباشرة للواقع.

ويدعي الناقد «ايم» ان الفن التجريدي هو فن (الحداثة المطلقة) و (الابداع المستمر) و (الثورة الدائمة والتمرد المطلق) ويدعو الى قطع الصلة مع الماضي للوصول الى مدرسة فنية نقية خالصة لأن كل فن واقعي لا جديد فيه وعلى الفن الجديد ان يكتسب اهمية من الانكفاء على ذاته وعليه ان يقطع الصلة مع الطبيعة والخارج وتتخلص اللوحة التجريدية من دورها كأداة تشير الى الواقع.

ومن هذه الطروحات يستخلص الكاتب بأن حصر الحداثة والابداع والتجريد في الفن التجريدي ينفي الحداثة والابداع عن الفن التشكيلي منذ فن الكهوف كما ان التجديد من اجل التجديد تحول الى حركة مغلقة دائرية على نفسها ومنقطعة عن الماضي رغم ان المحاكاة ـ حب ارسطو ـ ليست تغطية اخبارية للتجربة والافكار البصرية للواقع بل هي ايضا تأكيد على دور الايحاء والتعبير لأن الانطباع البصري والفكر البصري مضاف الى الطبيعة وليس هو الطبيعة بحد ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.