الذكاء والنجاح لا يقتصران على المدن دون القرى ولا على أبناء الحضر دون ابناء الريف او البادية وهاهي قرية ثوبان الصغيرة الوادعة الحالمة التي تقع عند الكيلومتر 45 من الفجيرة تؤكد هذه المقولة.
فمن هذه القرية التي تضم حوالى خمسين بيتا بين بلدة مسافي ومنطقة السيجي برزت اسرة الطالبة مريم راشد اليماحي المبدعة المتفوقة وأول مهندسة كيميائية في منطقتها فأختها طبيبة في مستشفى زايد العسكري وأخوها سينتهي من دراسة الطب العام القادم.
ولمريم أيضا أخت درست الجيولوجيا ودخلت ميدان التعليم لفترة قصيرة ثم فضلت أن تربي أبناءها و تهتم بهم في المنزل بينما يدرس اخوها الأصغر السنة التأسيسية في الولايات المتحدة حيث ينوي دراسة الهندسة الإلكترونية لاحقا.
اما مريم التي تدرس الهندسة الكيميائية في جامعة الامارات فقد ذهبت هي الاخرى الى الولايات المتحدة الامريكية حيث قضت حوالى اربعة اشهر في محطة ناسا الفضائية اجرت خلالها عدة تجارب مع المشرف عليها الدكتور (ويقي) في مجال معالجة النفايات الصلبة.
وفي لقاء مع وكالة انباء الامارات (وام ) قالت الطالبة الثوبانية بعد عودتها الى ارض الوطن ان عملها تضمن اجراء تجارب لامتصاص الماء باستخدام السلولوز لمعرفة كمية السلولوز التي يفضل أن توجد في طعام رواد الفضاء كي لا تزيد الحمولة و الكتلة.
وأضافت انها قامت كذلك بإجراء تجارب اخرى حول امتصاص الماء في أحجام مختلفة من الملابس لتحديد أفضل الملابس لرواد الفضاء التي لا تمتص الكثير من الماء ولكي يتم تدوير المخلفات الصلبة والاستفادة منها دون ضرر على البيئة اوالكون بشكل عام.
وردا على سؤال حول اهمية هذين المشروعين بالنسبة لها او للدولة بشكل عام اكدت طالبة الهندسة الكيميائية انه يمكن الاستفادة منهما في اختيار الملابس المناسبة التي تقلل الامتصاص لكل فصل من فصول السنة وكذلك بالنسبة للأطعمة وبالتالي يعاد تدوير الماء والاستفادة منه وإضافة أجزاء اخرى في المشروع لتقليل المخلفات الصلبة في الدولة.
وأوضحت ان اختيارها هذين المشروعين دون غيرهما جاء بعد ان اعطاها الدكتور المشرف عليها عدة بحوث لتطلع عليها حتى اصبحت تحب هذا المجال كثيرا وطلبت أن تعمل فيه.
وأضافت انها ناقشت الامر مع الدكتور المشرف وأعدت (بوسترا) للمشروعين وقام الدكتور بمراجعته كما تم تقييم المشروع من قبل الجهة المسئولة مشيرة الى ان عرض البوستر امام الكثير من الباحثين و الطلبة للإطلاع عليه جعلهم يعجبون بالمشروعين و طريقة عرض أفكارها كما قاموا بالاستفسار عن بعض النقاط التي استطاعت أن تجيب عليها .
ولكن كيف بدأت القصة ومتى ظهرت فكرة الذهاب الى ناسا ؟.
تقول مريم انها لم تكن تفكر أن تقضي الفصل التدريبي خارج الدولة بل انها كانت مترددة بين التدريب في الفجيرة أو في أبوظبي و حدث في الأسبوع الثاني من الفصل الذي يسبق فصل التدريب ان جاءها اتصال من قسم الارشاد في كلية الهندسة يسألها ان كانت تنوي التدريب في محطة ناسا أو لا ؟ .
وتوضح انها كانت مترددة ولكن مسؤول القسم طلب منها الرد مباشرة فوافقت على التسجيل وكانت مسرورة جدا لان فكرة التدريب في الخارج لم تخطر على بالها وانها كانت مفاجأة جميلة بالنسبة لها خاصة عندما علمت ان ارشاد الكلية رشح طالبتين من كل تخصص من الكلية.
وتضيف انها بعد ذلك تشاورت مع افراد عائلتها الذين كانوا جميعهم مستبعدين الفكرة ورافضين لها باستثناء أختها الطبيبة التي شجعتها كثيرا ووقفت إلى جانبها وساعدتها وأقنعتهم فاقتنعوا وشجعوها بعد ذلك.
ثم بدأت مرحلة الاعداد والاستعداد للسفر كاستخراج فيزا السفر وشراء المستلزمات وتجهيز الأوراق المطلوبة وغيرها .
وأكدت ان الرحلة والدراسة والإقامة اثناء الدورة التي بدأت من تاريخ 16 فبراير 2024 م واستمرت 3 أشهر و نصف كانت مجانية بالكامل ما اعطاها دافعا اضافيا لعدم رفض مثل هذا العرض.
وأشارت الى ان مؤسسة تطوير مشاريع الشباب العربي قدمت هذه المنحة لها لحضور الدورة في ناسا وان السيدة ليزا لابونتي الامين العام لجمعية الامم المتحدة في الامارات والمنشئة والرئيس التنفيذي للمؤسسة المذكورة كانت توفر لها ولغيرها من الطالبات كل شئ بما في ذلك المصروف الشهري أيضا.
وحول كيفية اختيارها وسبب ذلك اكدت ان الكلية رشحتها مع طالبتين اخريين من امارة ابوظبي استنادا الى ماحصلن عليه من المعدلات الاعلى في امتحاناتهن في الكلية .
وحول جو التدريب في محطة ناسا اشارت مريم اليماحي الى ان التدريب كان ممتعا وجميلا لافتة الى انها كانت تجد من الباحثين روح التعاون والحرص والالتزام وإنها كانت تحاور باحثين آخرين في مجالات أخرى واستفادت منهم كثيرا.
وقالت انه كان معها ايضا طالبات من ايطاليا وأمريكا ولكن ليس بنظام الصف فقد كان لكل طالبة مكتب خاص للعمل وبالنسبة لها كان هناك دكتور خاص يشرف على عملها.
وحول الصعوبات التي واجهتها شخصيا على المستوى العلمي واللغوي والمعيشي وعلى مستوى المجتمع الطلابي هناك اشارت الى انها واجهت صعوبات في أول الأمر بشأن التأقلم وشراء المستلزمات الخاصة بها حيث كانت تعتمد على والدها في كل هذا وان الأيام تكفلت بتعليمها الكثير.
وكشفت انها واجهت صعوبة قليلة في التحاور مع مجتمعها الجديد في بداية الأمر والاندماج معه افراده ولكن سرعان ما تعودت عليهم و أصبحت تسعد بالحوار معهم، وأكدت ان رفيقتيها لم تواجها نفس الصعوبات لأنهما حسب اعتقادها سافرتا من قبل الى دول أجنبية عديدة بمفردهما او برفقة العائلة بينما بالنسبة لها فقد كانت هذه اول رحلة لها خارج شبه الجزيرة العربية .
وأضافت انها كانت تلبي كل ما يطلب منها من تجارب علمية في المختبرات التي تحب العمل فيها لأنها واسعة وتحتوي على كل شيء كما ان المشرف عليها أعطاها الحرية الكاملة في دخول المختبرات واستخدام الاجهزة والأدوات التي توجد فيها.
وردا على سؤال حول اهمية او ضرورة ان يلتحق طلاب الامارات ببرامج ناسا قالت مريم انها تنصحهم بذلك لأنهم سيتعلمون الاعتماد على الذات والرغبة في الانجاز من خلال المشاريع وكذلك الاندماج والتعاون مع الطلاب والباحثين على اختلاف جنسياتهم.
وحول امكانية ان تقدم ناسا مشاريع مفيدة للإمارات اجابت بنعم مشيرة الى ان من المشاريع التي يمكن تنفيذها مشاريع تحلية المياه و مشاريع المباني الخضراء، والمشاريع المتعلقة بالطائرات والفضاء.
وتضيف ان المناهج الدراسية في مدارس وجامعات الامارات تهتم قليلا بعلوم الفضاء وان ناسا متخصصة في كافة العلوم كالأحياء والفيزياء وليس فقط في علوم الفضاء وإنها تنصح شباب الامارات بدراسة مجال الفضاء لأنه مجال رحب وجميل .
وشددت على ان الامارات بحاجة الى علوم الفضاء وبالتالي الى علماء وعالمات اماراتيات في علوم الفضاء والى رواد فضاء خاصة وان لدى الدولة طاقات بشرية تستطيع ذلك.
وتحدثت عن شعورها فيما لو اصبحت واحدة من الرائدات الاماراتيات في هذا المجال مؤكدة انه شعور جميل وأنها تتمنى ذلك مشيرة الى انها اثناء الدورة في ناسا قامت بقيادة نموذج طائرة واستمتعت كثيرا بذلك فقد كان أشبه بالواقع وقد كانت ترغب في قيادة نموذج المركبة الفضائية والصاروخ ولكن لم يتم ذلك بسبب التجارب المستمرة عليهما.
وتكشف مريم اليماحي عن رغبتها بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية العام القادم في العمل لمدة سنتين على الأقل ثم اكمال الدراسات العليا لكي يكون لديها قدر كاف من الخبرة غير انها لا تدري بعد اين ستعمل هل في شركة أدنوك أو في مصدر .
وعن نظرة المجتمع المحلي في ثوبان لأول مهندسة كيميائية في المنطقة اكدت ان افراد المجتمع المحلي مسرورون الان لانها اختارت دراسة هذا المجال كما اكدت ان هناك من يشجع او يدعم توجة بنات ثوبان لدراسة علوم الفضاء والعلوم الاخرى بعد ان أصبح لكل فتاة رأيها لاختيار ما ترغب في دراسته من العلوم وان افراد العائلة يهتمون بما يناسب الفتاة و يحرصون على حقها في اختيار مجال دراستها.
وكانت مريم التحقت بكلية الهندسة لدراسة الهندسة الكيميائية لأنها أولا تحب الكيمياء وتحب دمج المواد وتفاعلاتها ولأن أبسط شيء في الحياة يتكون من ذرات وعناصر وتفاعلات /اي من الكيمياء/.
وتقول ان وجود الهندسة بجانب الكيمياء يعني ادخال الكيمياء في الجانب الاقتصادي مثل صنع الأدوية و تحلية المياه وغيرها وفي هذا المجال وجدت ما تحب أن تدرس لكي تنجز وتتفوق .
وتؤكد انها لم تواجه اي صعوبة في ذلك أبدا لأنها اختارت ان تدرس ما تحب كي لا تندم و كي تجد في صعوبته حلاوة ومتعة ، فكثرة المسائل والتفكير في هذا المجال تساعد على الابداع والنجاح وتنمية الذكاء الذي لا يرتبط كلية بالمكان الجغرافي وإنما ايضا بما يتوفر من رغبة صادقة في تحقيق النجاح ومن امكانات وأجهزة وتشجيع وتحفيز.