في الزمان القديم، الكف على “الساطر” أرخص بكثير من قطعة الحلوى، لأن المربي أباً أو أماً، كانا يعيشان حياة أصعب، والحياة القاسية كانت تصفعهما بكفوف ليل نهار، حتى يستطيعا توفير لقمة العيش لهما ولأبنائهما، لذا كان من السهل تلقين طفل دون الخامسة، كفاً صارماً حاسماً لمجرد أنه يبدي تمرداً على أمر، أو رفضاً لنداء.. أما اليوم والوالد والوالدة يغطان في سبات عميق، والأطفال بعيداً عن أعينهم، يمارسون هواية الجلوس أمام الشاشات لساعات طويلة داخل الغرف المغلقة، ولا حسيب ولا رقيب، أما الطعام فكثَّر الله خير مطاعم الأكلات السريعة، التي تطير بدراجاتها النارية حتى أنصاف الليالي، وأحياناً وبعض البيوت تستدعي هذه الفراشات المحملة بالزاد عند الفجر.. عادات شوّهت الأخلاق، وأساءت للأبدان، ما جعل الطفل يصير كبطريق، يتدحرج في فراغ المنازل العابثة بالروح والجسد.. أطفال في سن الورود يعانون السمنة، لكثرة الجلوس أمام التلفزيون، وبلع الأكلات السريعة والسندويتشات التي تفوح منها رائحة عرق، وسمن مُكربن، وبطاطا مقلية حتى عجف وصارت كالجريد .
ويقول تقرير نشرته مجلة “تايم” الأميركية إن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة دون حراك ينخفض تناولهم للفاكهة بنسبة 8%، و18% أكثر تناولاً للحلوى والسكريات، بالإضافة إلى تناولهم للأطعمة السريعة بنسبة 16% أكثر من الأطفال الذين تقل ساعات جلوسهم أمام التلفزيون.
والسؤال.. لو لم يجلس الأطفال أمام التلفزيون، فأين يفرغون الطاقة الداخلية؟ فالأوضاع الاجتماعية تغيَّرت، والعادات تبدَّلت، والذائقة أيضاً تغيَّرت.. فالألعاب التي كانت تفرغ الشحنات الوجدانية الجسمية، صارت شيئاً من الماضي.. العلاقات الاجتماعية التي كانت سمة الإنسان أصبحت في حال التقاعد، فالطفل اليوم لا ينتظر من أب أو أم أن يأمره بالقيام في عمل ما، وفي هذا العمل يؤدي غرضاً، ويشارك في صنع ما تحتاجه الأسرة من وسائل معيشة، وكذلك يتنفس ويحرك الكامن في جسده من دم ولحم وشحم.. طفل اليوم ينتظر المعونة ومن يستعين به كمن يسعين بالماء المالح للبلل.. طفل اليوم إن جلس ما قام، وإن نام ما جلس، لأنه يعرف جيداً أنه لا مجال لمشاركته في أي عمل منزلي، فالآلة الاجتماعية دارت بوصلتها بعيداً عن الحركة والفعل والتفاعل، ولا دور للطفل غير الاسترخاء على أريكة والإمساك بالريموت كونترول، وتقليب المحطات، والمسلسلات لا تكف ولا يجف ريقها ونبعها، وقد تجد طفلاً في الخامسة أو أقل يقص عليك الحكاية من البداية حتى النهاية لأي مسلسل، وخاصة التركية، وما أدراك ما التركية، وفيها الذي فيها من مشاهد تشيب لها الولدان، أما الممثلات فيطقن الصخر، فكيف والصغار، فيحار فيهم الفكر عندما يبحلقون، وكما يقول المثل “كأنه بقرة شايفة حريجة”.. ولو مررت أمام أحدهم لشعَرَ بالضيق والتذمر، لأنك قطعت حبل أفكاره، وشوّشت عليه الربط في تسلسل اللقطات والمشاهد.
علي أبو الريش
(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)
نقلاً عن الاتحاد الإماراتية
و اسلوب الكاتب رائع جدا
شكرا على النقل
و الموضوع يسلط الضوء على الكثير من الظاهرات السلبية التي بدأت تنتشر بالفعل
و لكن و الحمد لله مازال هناك الكثير من الاطفال الذين يتحركون و يلعبون و لا يتجمدون امام شاشة التلفاز