08 – واقع الممارسة الفنيّة عند المرأة.
واقع مؤلم هو ما نراه أثناء إلقاء نظرة خاطفة على الميدان الفنيّ، لا يمكن وصفه في عبارات أو في بضع فقرات، بل يمكن أن نفرد له كتباً و مجلّدات بالدّراسة و التّحليل.
تمارس المرأة عدّة فنون غنائيّة ملاحظة في العالم، و هي ناجحة في عملها، كيف لا و ألبوماتها تباع بالآلاف ؟، تحضر حفلاتها المئات و المئات من مختلف الأعمار، و لا داعي لذكر أسماء المغنّيات، فهي معروفة، أو هكذا أحسبها.
أمّا في الإنشاد فشيء آخر تماما، هو غياب و تعطيل، إلغاء كيان يمكن أن يلعب دوراً استراتيجيّا، واقع مناقض للواقع الأوّل، و لست أقارن هنا بقصد مشبوه قد يتصوّره البعض، فآلات الهدم تختلف عن آلات البناء، و لكن أردت إلقاء الضّوء على منطقتين متناظرتين و لا أكثر، ليتبيّن لنا مدى الفارق بين الخير و الشرّ.
هناك ضوابط و حدود تبقى مرسومة و راسخة بدساتير شرعيّة لا تقبل التّغيير و لا التّبديل، فهلاّ رسّختموها في الأذهان ؟، كيف تلغون ما أقرّه الله و عزّزته سنّة رسوله الكريم صلّى الله عليه و آله و سلّم ؟؟؟.
لقد كانت المرأة في صدر الإسلام ربّة بيت من طراز رفيع، و ما منعها ذلك من أن تتزوّد بثقافة راقية و استقامة اجتماعيّة، نهوضاً بأمّتها لا رغبة في مجد زائف مثلما هو حاصل في زماننا الحالي، إذ تسعى الأغلبية إلى العلم من أجل التباهي، و تصدّر المجالس، و التّعالي على خلق الله.
ظلت الثقافة الإسلاميّة حقباً أجدر الثّقافات العالميّة بالإقبال، كونها حملت بذور العالميّة فكانت لها حفاوة بالغة، ثمّ فقد المسلمون خصائص التّحليق، فأخذوا في الانحدار رويداً رويدا، و زالت معالم فنونهم إلاّ من المتاحف، تاركين المكان لثقافات أخرى لا تعترف حتى بإله، فما بالك في آثار هذا الاعتقاد على أعمالهم ؟.
يقول الأستاذ عبّاس محمود العقاد : " إنّ الخالق السّرمديّ جلّت قدرته؛ شاء أن يتفضّل على العباد بنوع من قدرة الخلق تناسبها، و تدخل في مستطاعها، فوهب لها الفنّ، تخلق به بدائعها، و تصوّر به آمالها، فهو غاية ما تسمو إليه من خلق و إبداع، و هو قبس في الإنسان من قدرة الله ".
و المرأة في الميدان الفنيّ مجرّد أداة دعويّة بسيطة بمفهوم بسيط، لا ترقى في أعين الكثيرين إلى مراتب عليا في التبليغ، إلاّ بما هو متعارف عليه في المساجد و مجالس الدّروس الدّينيّة، للأسف هذه هي الحقيقة المرّة، التي يأبى الجميع الاعتراف بها، في حين يمكن اتخاذها وسيلة مثمرة لحدّ بعيد في الأخذ بأيدي الناس في صورة فنيّة، أ ليست هي الأمّ أوّلا و قبل كلّ شيء ؟، ثمّ الأخت ؟، ثمّ الزّوجة ؟، و في كلّ خانة خصائص و سمات.
هي الأمّ التي ترعى الصّغار و تحنّ عليهم، مانحة إيّاهم دفء القلب و الوجدان، و هي المربيّة التي تسعى لإخراج جيل ينشأ على تقوى الله، و هي الأخت التي تآزر أخوها في الحياة و لا سيّما حين يغيب وجه الأمّ الحنون في التراب، و هي الزّوجة عماد البيت، و أساسه الثاني، و لو وظفنا القيمة الحقيقيّة التي تحويها كدرّة؛ كنّا قد وضعنا كلّ شيء في نصابه القانونيّ، يمكن للأمّ أن تحضن أبنائها في عشّ إنشاديّ، يسمعون الكلمة الطيّبة الهادفة، يخفّفون بها عن أنفسهم، و هذا مثال بسيط من أمثلة كثيرة، و بمفهوم واسع؛ يساهم في استمراريّة الرّسالة الفكريّة إلى الأجيال اللاّحقة، فالتجمعات النسائيّة بحاجة إلى وجود أخوات ملتزمات يمارسن الإنشاد، بحيث يكون لهنّ دور مرادف للدّور الذي يقوم به المنشدون الذكور، و هو ما فهمته حرم المنشد العالميّ " محمد أمين الترمذيّ " لمّا أسّست فرقتها النسائيّة، و استوعبته إنشاديّات أخريات.
يطير الطّائر بجناحين، كذلك الجماعة تتحرّك بالرّجل و المرأة، و لا مكان لفكرة أنّ الرّجل أولى من المرأة بالدّعوة الفنيّة، غير أنّ القضيّة تأخذ مسارا آخر؛ كما يتعلّق الأمر بالمساحة التي يتحرّك فيها كلّ واحد، قضاء على الفتنة على وجه الخصوص، و سدّا لكلّ مداخل محتملة قد يأتي منها الشّيطان، تلكم هي المساحة التي يجب أن تكون المرأة بداخلها دون الخروج منها بأيّة صورة من الصور، حفاظاً على المجتمع من كافة أشكال الإغراء السلبيّ، و درءاً لمداخل إبليس، الذي لا يتوانى في الإيقاع بكلّ مسلم شهد بوحدانيّة المعبود.
ما المانع أن تكون المرأة مخرجة ؟، كاتبة ؟، إعلاميّة ؟، … إلخ، توظيف مواهبها في دعوة الناس إلى الحقّ وفق صورة فنيّة، مثل الرّجل تماما، بل يمكن أن تتغلّب عليه في بعض الأعمال، لما تتميّز به هذه الأخيرة، ربما للمرأة صبر أكثر من بعض الرّجال، و ذوق فنيّ يفوق أذواقهم، هذه هي الحقيقة المرّة التي يغمض البعض أعينهم عنها عمدا.
كوني جريئة يا سيّدتي و اخلعي عنك ثوب الخنوع، فأنت لحقول الشّوك شقائق النّعمان.
يقول الدّكتور طارق السّويدان " للمرأة مهارات اجتماعيّة أكثر من الرّجل، ممّا يساعدها على إتقان عمليّة المشاركة بشكل أفضل"، فيكفي أن نمنحها فرصة لإظهار قدراتها، و قدراً بسيطاً من التّقدير لأدائها، كي تشعر أنّها في عالم يحترمها، فنضمن اعتدالها في كلّ شيء، كيف لا ؟؛ و نحن بظلمنا لها ندفعها دفعاً إلى التطرّف، ثمّ المطالبة بحقوق خياليّة ما أنزل الله بها من سلطان ! ■
نوال
………………………………………….. ………………………..
إختبر نفسك بالإجابة على هذه الأسئلة :
● كيف نبرز دور المرأة في الإنشاد ؟.
● هناك من يدّعي الدّفاع عن المرأة ثمّ يعرّضها لنفس ما يتعرّض إليه الرّجل، ما تعليقك ؟.
● " المرأة وسيلة من وسائل إبليس "، حلّل و ناقش.
● لقد وصف الله تعالى كيد الشيطان بالضّعف، و وصف كيد المرأة بالقوّة، ممّا يعني أنها أقوى منه، و لكن نجد أنّه يغويها مثل الرّجل، فما السّرّ خلف ذلك ؟.