تخطى إلى المحتوى

المكانة الاجتماعية للمعلم العربي 2024.

  • بواسطة
المكانة الاجتماعية للمعلم العربي

السادة المحترمون مجلس التربية والتعليم:

إن المعلم أمة في رجل، ومهنة التعليم تحوطها هالة من القداسة منذ القدم، فهي مهنة الأنبياء والرسل، وحيثما كان يذكر المصلحون الاجتماعيون كان المعلمون يأتون في رأس القائمة، والموروث الأدبي والشعبي في ذاكرة الأمة مليء بالشواهد والأدلة على ذلك، ومما يزيد من أهمية دور المعلم في وقتنا الحاضر أن وظيفته لم تعد تقتصر على نقل المعلومات إلى المتعلمين، بل إنها أصبحت تتطلب منه ممارسة دور القيادة والتخطيط للتدريس وتصميمه والإشراف عليه والبحث العلمي، والتشكيل الأخلاقي والثقافي لشخصيات المتعلمين.

وهذا هو الوضع الصحيح والسوي، لكن المتأمل لأوضاع المعلم العربي في الوقت الراهن لا يعجزه أن يرى بوضوح مكانة المعلم وهي تتصدع ويعتريها الذبول، فمن يأخذ على عاتقه مسؤولية تحليل هذه الأوضاع يستطيع أن يلمح بجلاء مظاهر تدني تلك المكانة، ومنها:

تدني رضا المعلم عن واقعه المهني ينعكس سلبا على نفسيته، فيسيطر عليه دائما شعور بالإحباط وخيبة الأمل، ويحس بأن آماله ومشروعاته في مهب الريح ، وأنها غير قابلة للتحقيق، نراه يتردد على مدرسته كل صباح ولسان حاله يقول:

لو جرب التعليم شوقي مرة لقضى الحياة شقاوة وخمولا
يا من تريد الانتحار وجدتـــــــــه إن المعلـــــــــم لا يعـــــــــيش طويلا

تردي الأوضاع المادية للمعلمين تجبر كثيرا منهم على الانجرار وراء هوس البحث الدائم عن الثروة على حساب القيم الإنسانية التي يفترض بهم أن يناضلوا من أجلها، فنراهم يمارسون أعمالا إضافية لا تليق بمركزهم العلمي والاجتماعي، وبذلك ينطبق عليهم قول القاضي الجرجاني:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس تعظما
ولكن أهانوه فهانوا، ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما

وإلا ما معنى أن يعمل بعض المعلمين خارج أوقات عمله بائعا أو سائقا أو سمسارا في السوق،أو مدرسا خصوصيا يطرق أبواب بيوت الطلبة عارضا بضاعته عليهم، وملتمسا فتات رزقه من بقايا موائدهم.

ارتباط مسألة الاحترام والتقدير الإجتماعي للمهنة بمقدار ما يكسبه صاحبها من مال وثروة، فالناس في مجتمعاتنا العربية باتوا لا يحترمون غير الآغنياء وأصحاب الثروات، ولما كان المعلمون من أقل الناس إيرادا ماليا فإنهم ولاشك سيكونون الأقل احتراما وتقديرا من قبل أفراد المجتمع، وهذا وضع مغاير لمنطق الأشياء.

إن توقف بعض المعلمين عن التنمية الذاتية لأنفسهم بالقراءة والاطلاع ومتابعة التحصيل الجامعي، لدرجة أن الواحد منهم لم يعد يقرأكتابا واحدا في السنة ولا حتى صحيفة في اليوم، هذا التوقف عن التنمية الذاتية يؤثر سلبا على مكانتهم العلمية، ويفقدهم تقدير المجتمع إلى حد كبير.

بروز مهن أخرى في المجتمع تكسب أصحابها مالا وجاها وحصانة واحتراما كالطب والهندسة والمحاماة، مثل هذه المهن خطف بريقها احترام المعلمين وتقديرهم، وجعلهم إلى حد ما دون غيرهم في النظرة، وباتوا لا يعبأ بهم أحد، لا في الاستقبال ولا في التوديع أو التشييع، ولا حتى في التزويج والمصاهرة.

تطاول وسائل الإعلام المختلفة وعلى رأسها القنوات التلفزيونية على المعلمين، وسخريتها منهم في أفلامها ومسلسلاتها ومسرحياتها، وتصويرهم في أسوأ حال، هذا التطاول وهذه السخرية تضعف من هيبة المعلمين أمام طلبتهم وأمام أفراد المجتمع.

تخلي المؤسسات التربوية والحكومات عن دعم المعلم وحمايته ومؤازرته، ثم حرمانه من بعض الامتيازات المادية والمعنوية التي تشد أزره، كالمشاركة في اتخاذ القرارات التربوية أو المشاركة في تصميم المناهج وبنائها وفي قرارات النجاح والرسوب، وحرمانه من البعثات والدورات التدريبية التي تشحنه بالمعرفة والخبرة، كل هذا يضعف ثقة المعلم بنفسه، ويزلزل مكانته ويقوضها ويهمشها، ويجعل المعلم عرضة للاعتداء والتجريح من قبل الجهلة وضعاف النفوس من الناس.

شيوع حياة البذخ والتركيز على العمران والاتصال والسياحة والسفر وانتشار ثقافة التبذير والإسراف والتسوق، كل هذا يتناقض مع رسالة المعلم التربوية والخلقية ويجعله يغرد بعيدا خارج السرب فلا يأبه لغنائه ولا لنواحه أحد من عشاق هذه الثقافة الجديدة.

هذا هو الواقع المرير والمتأزم الذي تعيشه طبقة المعلمين في وطننا العربي الكبير، وهذه هي الأسباب والمظاهر فأين هي الحلول؟ إن الحلول غالبا ما تكون تنظيرا وأحلام يقظة بعيدة عن الواقع ما لم تكن مدعومة بتوجهات جادة من أصحاب القرار وصانعيه في وطننا لإنقاذ مكانة المعلم، وما لم يتولد لدى المعلمين أنفسهم شعور من الثقة بالنفس، وإحساس بالإباء والكبرياء.

ومن أجل تحسين النظرة الاجتماعية للمعلم واستقطاب الكفاءات وجذب ذوي القدرات العالية إلى مهنة التعليم لا بد من بعض المقترحات التي قد تعيد للمعلمين شيئا من حقوقهم المستلبة، ومكانتهم الغابرة، ومنها على سبيل المثال:

إقصاء من لا يصلح للمهنة من المعلمين الذين هرمت هممهم وطموحاتهم وشاخ تفكيرهم قبل أن تشيخ أجسامهم، وسيطرت عليهم روح الانهزام، فتقوقعوا على أنفسهم وراحوا يقاومون التغيير والتجديد، وينبغي إحلال عناصر جديدة شابة تؤمن بالتطوير والانفتاح وتستطيع استيعاب مستجدات العصر من اللغات الحديثة والتكنولوجيا، وتتقبل آراء الآخرين، هؤلاء هم المعلمون القادرون على تعليم الجيل القادم وإعداده للتكيف مع طبيعة العصر.

وضع شروط صارمة ومعايير دقيقة على تسجيل وقبول الجامعات للطلبة في تخصصات المهن التعليمية، بحيث لا يلتحق بهذه الكليات إلا أصحاب المعدلات والمجاميع العالية من الطلبة، كي لا يتسرب إلى مهنة التعليم معلمون ضعاف ممن يتخذونها مصدرا لكسب الرزق لا أكثر.

تحسين الوضع المادي للمعلمين ومنحهم امتيازات المسكن اللائق والتنقل المريح والرعاية الصحية والرفاه الاجتماعي وتوفير فرص التعليم لأبنائهم، وإغنائهم عن ممارسة أدوار سلبية كالتكسب في الرزق أو التنفيس عن واقعهم بمعاقبة الطلبة.

تشديد الرقابة الوظيفية والإدارية على ممارسة المعلمين لأدوارهم، للتحقق من مدى التزامهم بأخلاقيات المهنة، ومن مدى اعتنائهم بالمظهر والهندام اللائق ونظافة الجسد والثوب واللسان، والترفع عن تقريع الطلبة وأهليهم بالألفاظ السوقية والنابية، التي تتنافي ونزاهة المهنة وشرفها.

تجنيد الطاقات الإعلامية لامتداح المعلمين وإعلاء شأنهم وإجراء المقابلات معهم، وإشراكهم في الندوات والحلقات المتلفزة والحوارات التي تهم المجتمع وتزيد من التوعية بأهمية دور المعلمين، والكف عن السخرية منهم والانتقاص من دورهم.

توفير الإعداد والتدريب المهني الذي يشحذ أسلحة المعلمين العلمية والمهنية، ويعزز صمودهم في مواقعهم ويعينهم على أداء أدوارهم، ويحسن من أساليبهم ويزيد من ثقتهم بأنفسهم.

إشراك المعلمين في عمليات تصميم المناهج وبنائها، والتخطيط الاستراتيجي للتدريس والامتحانات والبحث العلمي، وإفساح المجال لهم للمشاركة في حل بعض المشكلات التي تواجه المجتمع.

بناء اتجاهات إيجابية لدى المعلمين نحو دورهم كقادة تربويين صانعين للتغيير، وساعين إلى تجويد التعليم بالابتعاد عن ممارسة التعليم بأساليب تقليدية، وعن ممارسة العقاب البدني والنفسي للطلبة وبأسايب غير إنسانية، ومن ثم الأخذ بأيديهم إلى أعلى درجات التحصيل والتفوق والإبداع العلمي والأدبي.

دعم المجتهدين والمبدعين من المعلمين وذلك بتبني إبداعاتهم وكتاباتهم ونشر مؤلفاتهم، و إجراء مسابقات سنوية تبرز إنتاجهم العلمي والأدبي والتربوي،وتكريم الفائزين منهم بشتى الوسائل الممكنة، وفي ذلك تعزيز لمكانتهم بين أبناء مجتمعهم، وبث لروح الثقة بأنفسهم.

وبعد، فهذا غيض من فيض، مما يصف واقع المعلمين العرب ومعاناتهم، وما يمكن أن يقدم لهم لرد بعض جميلهم على أبنائنا وفلذات أكبادنا، ومن أجل أن يكونوا قادرين على أداء دورهم على مسرح الحياة بشكل صحيح، وعلى أداء واجبهم في بناء مجد الأمة ورفعتها، والله من وراء القصد.

بقلم: محمد عبدالرحمن الجاغوب
عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب

.

كل الشكر والتقدير للأستاذ محمد الجاغوب لهذا الموضوع القيم والتوصيف الواقعي والحلول العملية ونتمنى منكم المزيد
مع تحيات أخوكم طارق
لو لم أكن ملكاً ….. لكنت معلماً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.