في عصر الانحدار حيث انطوت الأعلام العربية وكبت الخيول بأشبال النضال سطعت وسط هذه الظلمة القاتمة بطولة فذة نادرة بددت الظلام وانتزعت اليأس من النفوس إنها بطولة صلاح الدين الأيوبي وقد وصف عباس محمود العقاد جانباً من بطولته وهي من نوع صد العدوان وردع المحتلين وقد أقبلت جيوش الغزو الفرنجي الثالثة يقودها سبعةً وعشرين ملكاً وأميراً يتقدمهم ريكاردس ملك إنكلترا وقد قال لصلاح الدين قبل التحام الجيوش إني أنا ريكاردس والقوة عندنا هي كل شيء وسأريك البرهان ثم دعا بقضيب من حديد ثم سل سيفه وأهوى به عليه فاخترقه نصفين فضحك صلاح الدين وقال لريكاردس : ليس الحرب صلابة سيف وقوة ساعد إنما هي مضاء حد وسداد يد ثم قذف بمنديل من الحرير الشفاف إلى أعلى وتلقاه بسيفه فشطره شطرين وقال لريكاردس بمثل هذا السيف سنلقاكم غداً . وتعلمون أيها الإخوة المشاهدون من كان المنتصر .
وفي مطلع عصر النهضة شهد الوطن العربي معارك طاحنة مع الاستعمار وقد برز من خلال هذه المعارك أبطال عظام ومقاتلون أشداء سجل لهم التاريخ بطولاتهم وتضحياتهم وكان عمر المختار أحد هؤلاء الذين انتزعوا إعجاب الأجيال من بعدهم فكانوا مشعلاً وضاءً للأجيال الصاعدة في طريق كفاحها ونضالها وكانوا قدوةً ومثالاً يحتذى لأبناء أمتنا في معركة تحررها وتقدمها ، وهذا الشاعر أحمد شوقي يؤكد أن البطولة لها دور كبير في بث روح التضحية والفداء لدى المناضلين يقول:
ركزوا رفــاتك في الرمــال لواء يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم نصبوا منـــاراً من دم يوحي إلى جيل الغـد البغضاء
جرح يصيح على المـدى و ضحية تتلمــس الحــرية الحمراء
فالصحارى غمـــد كل مــهند أبلى فأحســـن في العدو بلاء
خيرت فاخترت المبيت على الطـوى لم تبن جاهـاً أو تلـــم ثراء
إن البطولة أن تموت من الظمــا ليس البطولـــة أن تعب الماء
وحينما يكون الأمل في تحقيق النصر ضئيلاً بسبب التفوق الكبير للمعتدي في العدة والعتاد ، وحينما يكون الاستسلام والخضوع لقوة القهر أمراً مهيناً تبرز بطولة من نوع خاص وهي بطولة الكرامة والإباء وهذا ما بدا واضحاً في البطل الشهيد يوسف العظمة الذي آثر الموت من أن يرى عدواً مغتصباً يدنس بأقدامه ثرى وطنه ويقدم إيليا أبو ماضي صورةً لهذا النوع من البطولة :
بأبي وأمي في العرئم والســـد بعث الحياة مطامحاً ورغابا
لما ثوى في ميسلون ترنحــت هضبــاتها وتنفست أطيابا
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى كي لا يرى في جلق الأغرابا
وإذا نبى العيش الكريم بماجــد حر رأى الموت الكريم صوابا
والآن يا إخوتنا المشاهدين وفي خاتمة المطاف جاء دور الشعراء الأبطال الذين رفضوا الالتزام شعراً يملأ الأذن حديثاً عن البطولة والتضحية والفداء بل رأوه موقفاً نضالياً قد يكون الاستشهاد ثمنه فهذا الشاعر عبد الرحيم محمود الذي روى ثرى فلسطين بدمه الطاهر يقول عن نفسه قبل أن يستشهد :
سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهب الردى
فإما حياة تسر الصديــق وإما ممات يغيظ العـدى
ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى
وما العيش لا عشت إلم أكن مخوف الجناد حرام الحمى
إذا قلت أصغى لي العالمون ودوى مقالي بين الورى
أرى مقتلي دون حقي السليب ودون بلادي هو المبتغى
وأحمي حياضي بحد الحسام فيعلم قومي بأني الفتى
وبعد أن استشهد أبنه إسحاق الحسيني فقال :
أيها الشاعر الشهيد أطأطأ رأسي مرةً أمام شعرك ومائة مرة أمام دمك الذكي الذي بذلته في سبيل الوطن الغالي وهكذا ترون يا أيها الإخوة المشاهدون أن الأدب العربي قد واكب البطولات بشعره ونثره عبر تاريخه الطويل ، واكب هذه البطولات في شتى ميادينها فصورها وجعل منها مثلاً يحتذى للأجيال الصاعدة .
أيها الإخوة :
هذه الصور المشرقة من تاريخنا من البطولة ليس لأخذ العلم بل لتكون حافزاً لنا ومرمى لأبصارنا وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. محمد النابلسي لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2024-01-01 لقراءة المزيد يرجى الضغط على هذا الرابط
https://www.nabulsi.com/brown/ar/art.php?art=6149&id=1242&sid=1246&ssid=1247&sssid= 1248
وبارك بك
موضوع هام ويحتاج إلى الكثير من الشرح المستفيض