قال الله سبحانه وتعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم، أفلا تبصرون}"الذاريات: 20 – 21".
من أسرار النفس البشرية تأثير الأفكار عليها في المشاعر والسلوك،
وهذا التأثير أدركه العلماءُ والحكماء منذ القدم، وجاء العلم الحديث يؤكده،
ويُقيم عليه دلائل جديدة، ويقوم بأبحاث عنه، ويدرس تطبيقاته في الصحة والمرض.
كثيرون منا قرأوا أو سمعوا باسم كتاب:
"دع القلق وابدأ الحياة" لمؤلفه الشهير:
ديل كارنيجي، وقد اختار لأحد فصوله عنوان: "حياتُك من صنع أفكارك"
وفيه يبيّن أن إحدى مشكلاتنا الكبرى هي: كيف نختار الأفكار السديدة الصائبة،
لأننا إذا راودتنا أفكار سعيدة أصبحنا سعداء، وإذا ســـيطرت علينا أفكارُ التعاسة
غــــدونا أشقياء، وإذا تملكــتنا أفكــــار الخــــوف أو المرض
فغالباً سنصبح مرضى أو جبناء، وإذا فكرنا في الإخفاق أتانا الإخفاق في غير إبطاء،
وإذا دَأَبْنا نتحدّثُ عن متاعبنا ونندب حظَّنا، ونرثي لأنفسنا، فسيعتزلُنا الناسُ
ويتجنّبون صُحبتنا، ومجالستَنا وحديثَنا، فكل واحد عنده ما يكفيه من المتاعب والمشكلات.
ثم يقول: "كلما امتدت بي الحياة ازددت اقتناعاً بقوة الفِكر،
ومدى تأثيره على الجسد، وأنا أعرف رجالاً ونساء يَسعهم إقصاءُ القلقِ
والمخاوفِ والأمراض، بل يسعهم تحويلُ مجرى حياتهم تحويلاً شاملاً
عن طريق تحويل أفكارهم، وقد رأيت بنفسي هذا التحول يطرأ
على حياة بعض الناس، حتى لم يَعُدِ الأمرُ عنــــدي مُستغرباً".
الإيحاء الذاتي
وقد عبر أحمد شوقي عن هذا المعنى بطريقة مختلفة، وَعَدَّ الأوهام،
وهي أفكار سلبية خاطئة، قيودًا تعوق حركة الإنسان، فقال:
وهْمٌ يقَيِدّ بعضُنا بعضًا به
وقيودُ هذا العالم الأوهامُ
لقد عاد الاهتمام بالإيحاء الذاتي يأخذ حقَّه في علم النفس الحديث،
وما البرمجة العصبية اللغوية أو الـ NLP إلا تطبيق جديد لمبدأ قديم هو:
تأثير الأفكار في حياة الإنسان، تستعمل في مجالات عدة مهمة، مثل:
الشفاء من الأمراض العضوية، وتحسين الأداء في الرياضة البدنية،
وفي التخلي عن العادات السلبية..
يقول العلامة ابن قيــم الجــــوزية – رحمه اللّه – في كتابه "الفوائد" ما معناه:
مبدأ كـل عمــل يَختار المرءُ أن يقومَ به هو: الخــواطر والأفكـــار، التي تتحول إلى إرادة،
والإرادة تقتضــي وقوع الفعل، فإذا تكرر الفعل صار عادة؛ فصلاح الأفعال والعاداتِ
مبني على صلاح الخواطر والأفكــار، وردُّ الأفكار الخاطئة وإبعادُها عن الذهـــن
منــذ البدايـة أيسرُ من قطعها بعد أن تصبــح عــادة مُستحكمة.
إن الإنسان لم يُعْطَ القوة على إماتة الخواطر ومنع ورودها على ذهنه،
فهي تَهْجُمُ عليه هُجومَ النَّفَس، إلا أن قوة الإيمان، والعقل، والحكمة،
تعينُه على اختيار أحسن تلك الخواطر والأفكار، وعلى دَفْع السيئ منها.
ومن الأدلة على أن الإنسان لا يملك منعَ الخواطر السيئة من الورود على ذهنه:
أن بعض الصحابة – رضي اللّه عنهم – شَكَوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
أنّ خواطرَ خطيرةً تمَسُّ العقيدةَ تهجُم على أذهانهم، يخافون حتى مِن ذكرها،
فطَمْأَنهم النبي عليه الصلاة والسلام، وقال لهم: إنها وسوسة الشيطان،
وإنها محض الإيمان.
ويقول ابن القيم كذلك:
وقد خلق اللّه سبحانه النفسَ شبيهةً بالرحى الدائرة التي لا تسكُن، ولا بدَّ لها
من شيء تطحنه، فإنْ وُضع فيهما حبٌّ طحنْته، وإن وُضع فيها ترابٌ
أو حصى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحَبّ
الذي يوضع في الرّحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلةً قط، بل لابد لها من شيء
يوضع بها، فمن الناس من تطحنُ رحاه حباً يُخرج دقيقاً ينفع به نفسه وغيره،
وأكثرهم يطحن رملاً وحصىً وتبْنًا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العَجن والخَبز
تبيَّن له حقيقةُ طحينِه !.
من مجموعتي البريدية
أختي
بين السطور
لو تأمل كل فرد في هذه المعاني
لتحسنت أفكاره وسلوكه
و سلك منهجا قويما في حياته
تحياتي