14 مليون شخص يعانون من الإعاقة في روسيا … «مطعم في العتمة» وشركات جديدة تُدخل ذوي الحاجات إلى الحياة العملية
موسكو – رائد جبر الحيــاة – 22/09/08//
ماذا يفعل بلد إذا كان نحو عشرة في المئة من سكانه من ذوي الحاجات الخاصة؟ سؤال يفتح على تعقيدات جمة بالنسبة إلى روسيا، خصوصاً في مرحلة ما بعد الدمار والفوضى وعمليات الهدم الشامل التي مرت بها البلاد عقب انهيار الدولة العظمى وطاولت معاولها كل مناحي الحياة وخصوصاً الوضع المعيشي لملايين فقدوا فجأة ضمانات كانت متوافرة في السابق.
ويبدو الرقم مذهلاً عندما نتحدث عن أكثر من 14 مليون شخص من ذوي الحاجات الخاصة، خصوصاً إذا أضيف إليه أن تعداد فئة الشباب منهم في المرحلة العمرية بين 15 و35 سنة تشكل نحو مليون نسمة.وعلى رغم ضخامة العدد فإن المفارقة كما يقول البعض، هي أن المراقب العابر لا يلاحظ تقريباً وجود هذه المشكلة في روسيا، لأن غالبية ذوي الحاجات الخاصة لا ينخرطون في الحياة الاجتماعية ويعيشون «على هامش الحياة»، كما تقول ليلى المختصة في إحدى دور الرعاية. وإذا غدا هذا الوضع طبيعياً بالنسبة لكثيرين تجاوزوا المرحلة العمرية التي تؤهلهم للعمل وكــــسب قوتهم، وباتوا معتمدين كلياً على الراتب التقاعدي البسيط مع كل ما يرافق ذلك من شظف ومعاناة، فإن المشكلة أكبر بالنسبة إلى الجيل الشاب، خصوصاً بين المبدعين منهم والساعين إلى إثبات أن الإعاقة الجسدية مهما كانت «لن تقف حائلاً أمام محاكاة زملائهم الأصحاء بدنياً أو حتى التفوق عليهم في مجالات عدة».
ويستغل ذوو الحاجات الخاصة بين الشباب في روسيا، تكنولوجيا المعلومات والشبكة العنكبوتية بهدف تعويض نقص ما، من خلال متابعة التحصيل العلمي من دون الحاجة إلى الخروج من المنزل. وتقول أولغا مديرة أحد مراكز التأهيل في موسكو: «يظهر بينهم متخصصون في مجال البرمجة أو مصممو المواقع الألكترونية وحتى قراصنة الإنترنت، لا سيما في ظلّ أزمة العمل التي تواجه كل شاب أو فتاة من بين هذه الفئات». وتشكل الفتيات ثلث ذوي الحاجات الخاصـــة بين فئات الشباب في روسيا، ما يعني أكثر من 350 ألف فتاة لا يقتصر التحدي الذي يواجهنه على إهمال المجتمع وقلة الحيلة في مواجهة ظروف الحياة، بل ينسحب على الحاجة الطبيعية لتأسيس أسرة وتربية أطفال.وإن كان التحسن في الأحوال الاقتصادية والمعيشية في روسيا انعكس إيجاباً على ذوي الحاجات الخاصة، لا سيما الذين يعيشون في إطار عائلة، فإن إغلاق باب العمل في غالبية المؤسسات والشركات العامة والخاصة أمام هذه الفئات، يبقى المشكلة الأبرز. ولا تعجز مراكز التأهيل والمؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن رعايتهم عن التأثير في سوق العمل الذي يضع شروطاً يعجز كثيرون من ذوي الحاجات الخاصة عن تلبيتها.
التشجيع على الدمج
وبخلاف قلة قليلة شقت طريقها الصعب ووجدت مكانها بين الآخرين بالاعتماد على كفاءة ومثابرة وقدر من الحظ أحياناً، فإن الغالبية الساحقة تعاني من تمييز ملحوظ لم تفلح معه كل الخطط الموضوعة لمواجهة الظاهرة.
ويعاني أبناء هذه الفئات من التفرقة، فيتقاضون رواتب أقل في شكل ملحوظ من رواتب زملائهم، كما أن صعودهم السلم الوظيفي تعترضه عقبات جمة لا ينجو منها إلا المحظوظون أو العباقرة الذين أثبتوا كفاءة استثنائية أو بالطبع… أصحاب «الواسطات»، حتى أن واحدة من الفتيات اللاتي واجهن هذه المشكلة قالت: «لو أن كل مسؤول وجد في بيته واحداً من ذوي الحاجات الخاصة لرأينا الدولة تسارع إلى ابتكار حلول لكل مشكلاتنا!».
ولجأت سلطات المدينة إلى وسائل أخرى لتشجيع أرباب العمل بيـــنها إقرار تخفيضات ضريبية مقابل منح حـــصة معينة من فرص العمل لذوي الحاجات الخاصة. وعلى رغم أن الفكرة جيدة جداً برأي الخبراء، تؤكد أولغا أنها ليـــست كافية، لأن أرباب العمل «سيوظفون البعض للإفادة من التخفيضات ثم يبقى هؤلاء يعملون سنوات طويلة من دون أي ترفيع أو حوافز».وعلى رغم أن اللوحة تبدو قاتمة مع كل محاولات تجاوز المشكلة، يبعث الحراك النشط في هذا الاتجاه خلال السنوات الأخيرة على الأمل، خصوصاً بعدما ظهرت مشاريع لفتت الأنظار في شكل قوي، ومنها أفكار وجدت طريقها إلى التنفيذ مثل فكرة «مطعم في العتمة» الذي يعتمد على تشغيل فاقدي البصر، ويمنع المطعم قطعياً استخدام أي مصادر ضوء، بما في ذلك الهواتف النقالة التي يتركها مرتادو المطعم مع ولاعاتهم وأشيائهم الأخرى في صندوق خاص قبل الدخول. والهدف كما يقول مديرو المشروع، لا يقتصر على توفير فرص عمل لذوي الحاجات الخاصة، بل حضّ المجتمع على التعاضد معهم وأن «يجرب الإنسان مرّة أن يأكل ويشرب في الظلام الدامس». ويقول أحد موظفي المطعم من المكفوفين: «يصبح للأكل طعم آخر، وللحياة كذلك..