الــســـلام عليكـــم
التعرية
عمليات طبيعية فيزيائية وكيميائية تتعرض فيها التربة والصخور بقشرة الأرض للكشط والتآكل بصفة مستمرة. وتنتج التعرية من النشاط المشترك لعدة عوامل مثل الحرارة والبرودة والغازات والماء والرياح والجاذبية والحياة النباتية.
ويلعب الماء دورا شديد الأهمية في نقل المواد المنحوتة. فعندما تحصل أية منطقة على ماء (على شكل مطر أو جليد أو ثلج ذائب) أكثر مما تستطيع الأرض امتصاصه، يتدفق الماء الزائد إلى أدنى مستوى حاملا المواد المفككة. كما تتعرض المنحدرات المعتدلة للتعرية حيث يزيل ماء الثلج المذاب أو ماء المطر طبقة رقيقة من التربة بدون ترك بقايا واضحة على السطح الذي تعرض للتعرية. وقد يكون هناك توازن بين عمليات التعرية هذه وتكون تربة جديدة. وفي المناطق الجافة القليلة الخضرة بصفة خاصة، يخلف ماء المطر أو ماء الثلج المذاب نوعا من الأخاديد تتكون بفعل غدران الماء. وتترسب بعض فتات الصخور والتربة التي جمعها غدير الماء في أودية ولكن معظمها يصل للبحر عبر الجداول والأنهار.
ومن خلال التعرية، يتغير سطح الأرض بصفة مستمرة بحيث يأخذ أشكالا جديدة. كما تتغير أشكال القارات باستمرار، حيث تقتطع الأمواج وحركات الجزر الأراضي القديمة بينما يكون طمي الأنهار أراضي جديدة. وحيث تعمق غدران المياه والجداول والأنهار أكثر وأكثر، تتحول الأخاديد إلى أودية صغيرة منحدرة والتي بدورها تتحول إلى أودية كاملة.
وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، سجل العلماء المسلمون أول ملاحظات علمية لأثر عوامل التعرية في تشكيل التضاريس الأرضية فيذكر ابن سينا في كتابه الشفاء مشيرا لعملية تكوين الجبال وتفتتها بقوله: "وهكذا الحال في الجبال فإن بعضها ينهال ويتفتت وبعضها يحدث ويشمخ ولا محالة أنها تتغير عن أحوالها يوما من الدهر ولكن التاريخ فيه لا ينضبط". ثم يشرح علاقة البحر بالأرض في فيضانه وانحساره فيقول: " ويجوز أن يعرض للبحر أيضا أن يفيض قليلا قليلا على بر يعرض ذلك للجبل، وإذ استحال طينا كان مستعدا لأن يتحجر عند الانكشاف ويكون تحجره قويا، وإذا وقع الانكشاف على ما تحجر فربما يكون المتحجر القديم استعد للتفتت، وي جوز أن يكون ذلك يعرض له عكس ما عرض للتربة، من أن هذا يرطب ويلين ويعود ترابا، وذلك يستعد للحجرية".
كما يشير ابن سينا إلى انتقال مواضع البحر فيقول: "وأما اختصاص البحر في طباعه بموضع فأمر غير واجب بل الحق أن البحر ينتقل في مدد لا يضبطها الأعمار ولا تتوارث فيها التواريخ والآثار المنقولة من قرن إلى قرن إلا في أطراف يسيرة وجزائر صغيرة". ثم يذكر: وإذا كان ذلك كذلك (أي نضبت العيون وجفت الأنهار) فستنسجم موارد أودية وأنهار ويعرض للجهة التي تليها من البحار أن تنضب وستستجد عيون وأودية وأنهار من جهات أخرى فتقوم بدلا لما نضب ويفيض الماء في تلك الجهة على البئر، فإذا مضت الأحقاب بل الأدوار يكون البحر قد انتقل عن حيز وليس ببعيد أن يحدث الاتفاق أو الصناعة خلجانا إذا طرقت في سد بين البحر وبين أنهار كبار وبين مثله". ويضيف ابن سينا بأمثلة من ذلك فيقول: "وقد يعرف من أمر النجف الذي بالكوفة أنه بحر ناضب وقد قيل أن أرض مصر هذه سبيلها ويوجد فيها وميم حيوان البحر. وقد حدثت عن بحيرة خوارزم أنها حالت من المركز الذي عهدها به مشايخ الناحية المسنون حوولا إلا أن أعمارنا لا تفي بالدلالة على الانتقالات العظيمة فيها".
والواقع أن مسألة تغيير أحوال الأرض الطبيعية أو تضاريسها بمرور الزمن أصبح أمرا واقعا عند العلماء المسلمين، حتى أنها دخلت أدبياتهم القصصية، ومن ذلك القصة الرمزية التي ذكرها القزويني في كتابه عجائب المخلوقات في حركات البحار وتبادل البر والبحر أماكنها على مدى الزمان، ورواها على لسان "الخضر" الذي مر بمكان معين خمس مرات بين كل منها خمسمائة عام فوجده مرة مدينة عامرة لا يعرف أهلوها ولا أباؤهم مدة بنائها. ومر بها ثانية فوجدها منطقة خرابا لا يعرف عامرها إلا أنها كانت هكذا طول الزمان، ثم مر بها ثالثة فوجدها بحرا مستفيضا ولا يعرف من الصيادين بها متى كان منشؤها، ثم مر بها رابعا فوجدها أرضا يبسا لا يعرف متى كانت كذلك، ثم مر بها أخيرا فوجدها مدينة كثيرة الأهل والعمارة لا يعرف أهلوها ولا أباؤهم متى بنيت. فسبحان الله جل شأنه لا يتغير ولا يتبدل.
ويعتقد المؤرخون والجيولوجيون أن تعرية التربة كان عاملا حاسما من بين العوامل المركبة التي أدت إلى تغي يرات متعددة في البنية السكانية وإلى انهيار حضارات بعينها. حيث عثر على بقايا البلدان والمدن في المناطق القاحلة مثل صحراء بلاد ما وراء النهر مما يدل على أن الزراعة كانت منتشرة في وقت من الأوقات في المنطقة المجاورة.
..
..
وربيــ لا هـــــانــج…}ْ~